نِهَايَةُ حِقْبَةٍ: رُوسْيَا لَمْ تَعُدْ المُوَرِّدَ الرَّئِيسِيَّ لِلْأَسْلِحَةِ إِلَى سُورِيَّة

0
15

شَهِدَ انهيارُ نظامِ بشارِ الأسدِ في ديسمبرَ ٢٠٢٤ نهايةَ أكثرَ من خمسينَ عامًا من حُكمِ عائلةِ الأسدِ في سوريا. كما قد يُمَثِّلُ هذا الحدثُ نهايةً لعلاقةٍ طويلةِ الأمدِ كانت فيها روسيا (والاتحادُ السوفيتيُّ سابقًا) المُوَرِّدَ الرئيسيَّ للأسلحةِ إلى سوريا.

انسحابٌ روسيٌّ تدريجيٌّ

على الرغمِ من أنَّ الإطاحةَ بالأسدِ من قِبَلِ قُوى المعارضةِ ذاتِ التوجُّهِ الإسلاميِّ لم تُؤَدِّ إلى مطالبَ فوريَّةٍ بضرورةِ مُغادَرَةِ القوَّاتِ الروسيةِ للبلادِ، إلَّا أنَّ موسكو بدأت بالفعلِ في تقليصِ وجودِها العسكريِّ وسَحْبِ أسلحتِها المُتقدِّمةِ وسُفُنِها الحربيَّةِ من قواعدِها على السَّاحلِ السوريِّ.

كانت القاعدةُ البحريَّةُ في طرطوسَ، التي تُعَدُّ القاعدةَ الوحيدةَ لروسيا خارجَ دُوَلِ الاتحادِ السوفيتيِّ السابقِ، جُزْءًا رئيسيًّا من النُّفوذِ الروسيِّ في المنطقةِ. لكن بعد وصولِ القيادةِ الجديدةِ في دمشقَ، تمَّ إلغاءُ عقدِ إيجارِ القاعدةِ، وتُشيرُ التقاريرُ إلى أنَّ السُّفُنَ الروسيَّةَ قد بدأت في المُغادَرةِ بالفعلِ.

نهايةُ عقودٍ من التَّسَلُّحِ الروسيِّ

إذا استمرَّ هذا الاتجاهُ، فسيَضَعُ حَدًّا لما يَقرُبُ من سبعينَ عامًا من العلاقةِ العسكريَّةِ بين موسكو ودمشقَ. فمنذ عامِ ١٩٥٦ وحتى انهيارِ الاتحادِ السوفيتيِّ في ١٩٩١، زوَّدت موسكو سوريا بحوالي ٥٠٠٠ دبابةٍ، ١٢٠٠ طائرةٍ مُقاتلةٍ، و٧٠ سفينةً حربيَّةً، بقيمةٍ تُقدَّرُ بأكثرَ من ٢٦ مليارَ دولارٍ، وفقًا للتقديراتِ الروسيَّةِ.

كانت هذه الإمداداتُ تهدفُ في المقامِ الأوَّلِ إلى دعمِ سوريا في حروبِها مع إسرائيلَ، التي هيمنت على سياساتِها الخارجيَّةِ منذ استقلالِها عن فرنسا في ١٩٤٦. في حربِ ١٩٦٧ وحربِ أكتوبرَ ١٩٧٣، استخدمت سوريا طائراتِ ميغ-١٥ وميغ-١٧ وميغ-٢١، بالإضافةِ إلى دباباتِ T-55 وT-62، لكنَّها خَسِرَتِ الجولانَ في ١٩٦٧ وفشلت في استعادَتِهِ في ١٩٧٣.

بعد ذلك، استمرَّت سوريا في تلقِّي الأسلحةِ السوفيتيَّةِ لتعويضِ خسائرِها وتحديثِ جيشِها. في الثمانينيَّات، حصلت دمشقُ على دباباتِ T-72، ومُقاتلاتِ ميغ-٢٥، ومنظوماتِ الدفاعِ الجويِّ S-75 وS-200، مما جعلَها واحدةً من أكثرِ الجُيوشِ تَسْلِيحًا في المنطقةِ.

العلاقةُ تتغيَّرُ بعدَ انهيارِ الاتحادِ السوفيتيِّ

مع انهيارِ الاتحادِ السوفيتيِّ في ١٩٩١، تغيَّرت العلاقةُ بين موسكو ودمشقَ جَذْرِيًّا. لم تَعُدْ روسيا تُقدِّمُ أسلحةً مجَّانًا أو بأسعارٍ مُدَعَّمَةٍ، بل طَلَبَت الدَّفعَ نقدًا. وبحلولِ منتصفِ التسعينيَّات، انخفضت وارداتُ الأسلحةِ السوريَّةِ بشكلٍ كبيرٍ، إذ لم تتمكَّن دمشقُ من تحمُّلِ تكاليفِ شراءِ المُعَدَّاتِ الحديثةِ.

في أواخرِ التسعينيَّاتِ والعقدِ الأوَّلِ من الألفيَّةِ الجديدةِ، بدأت سوريا في شراءِ أسلحةٍ جديدةٍ مثل صواريخِ كورنيتِ المُضادَّةِ للدَّبَّاباتِ، ومنظوماتِ الدِّفاعِ الجويِّ بانتسير S-1 وبوك M2، بالإضافةِ إلى صواريخِ ياخونت المُضادَّةِ للسُّفُنِ.

لكنَّ هذه المُعَدَّاتِ لم تُفْلِحْ في حمايةِ المجالِ الجويِّ السوريِّ من الهجماتِ الإسرائيليَّةِ، حيثُ نَفَّذَت إسرائيلُ مئاتِ الضرباتِ الجويَّةِ على مواقعَ عسكريَّةٍ سوريَّةٍ وإيرانيَّةٍ داخلَ سوريا منذ اندلاعِ الحربِ الأهليَّةِ في ٢٠١١.

التدخُّلُ الروسيُّ في الحربِ الأهليَّةِ السوريَّةِ

في عامِ ٢٠١٥، تدخَّلت روسيا عسكريًّا لإنقاذِ نظامِ الأسدِ، الذي كان على وشكِ السقوطِ. قدَّمت موسكو دعمًا عسكريًّا كبيرًا للنظامِ، بما في ذلك تزويدُهُ بدباباتِ T-90S، وعرباتِ المشاةِ BMP-1، وطائراتِ ميغ-٢٩.

في ٢٠١٨، سَلَّمَت روسيا إلى سوريا نظامَ S-300 للدِّفاعِ الجويِّ، لكنَّهُ بقي تحتَ سيطرةِ القُوَّاتِ الروسيَّةِ ولم يكن في الواقعِ جُزْءًا من التُّرْسانَةِ العسكريَّةِ السوريَّةِ. ومع ذلك، في عامِ ٢٠٢٢، سَحَبَت روسيا هذه المنظومةَ من سوريا ونَقَلَتْها إلى أوكرانيا لدَعْمِ حربِها هناك.

انهيارُ جيشِ الأسدِ ونهايةُ التَّحالُفِ العسكريِّ مع روسيا

مع انهيارِ نظامِ الأسدِ في ديسمبرَ ٢٠٢٤، شَنَّت إسرائيلُ حملةً جويَّةً مُكَثَّفَةً دَمَّرَت خلالها مُعْظَمَ القُدُراتِ العسكريَّةِ السوريَّةِ. تَعَرَّضَت القواعدُ الجويَّةُ السوريَّةُ لِضَرَباتٍ مُدَمِّرَةٍ، وتمَّ تدميرُ أُسْطُولِ طائراتِ ميغ-٢٩ بالكاملِ، وأُغرِقَت جميعُ زوارقِ الصواريخِ أوسا السوريَّةِ وهي لا تزالُ راسيةً في الموانئِ.

مع تراجعِ الدَّوْرِ الروسيِّ في سوريا، يبدو أنَّ القيادةَ الجديدةَ في دمشقَ قد لا تَعْتَمِدُ على موسكو كمُوَرِّدٍ رئيسيٍّ للأسلحةِ. عِوَضًا عن ذلك، قد تَسْعَى للحصولِ على أسلحةٍ من تركيا ودُوَلٍ إقليميَّةٍ أُخرى، في تحوُّلٍ كبيرٍ عن السياسةِ الدِّفاعيَّةِ التي تَبَنَّاها النِّظامُ السوريُّ السابقُ لعُقُودٍ.

التوجُّهُ نحوَ تركيا كمُوَرِّدٍ أساسيٍّ

بدلًا من إعادةِ بناءِ الجيشِ القديمِ، قد تختارُ سوريا الجديدةُ التَّرْكِيزَ على الأمنِ الداخليِّ، وهو ما قد يجعلُ الطائراتِ التركيَّةَ المُسَيَّرَةَ والعرباتِ المُدَرَّعَةَ الخيارَ الأفضلَ لها. كانت تركيا قد استخدمت بالفعلِ أسلحتَها ضدَّ قُوَّاتِ النِّظامِ السابقِ في عدَّةِ مُناسباتٍ، بما في ذلك هجومُ إدلبَ ٢٠٢٠ الذي أَوْقَع خسائرَ فادحةً في صُفوفِ الجيشِ السوريِّ.

مهما كان المَسَارُ الذي ستَسْلُكُه القيادةُ الجديدةُ في دمشقَ، يبدو واضحًا أنَّ عهدَ روسيا كمُوَرِّدٍ رئيسيٍّ للأسلحةِ إلى سوريا قد انتهى. مع تزايدِ النُّفُوذِ التُّركيِّ في المنطقةِ، قد تكونُ سوريا على وشكِ الدخولِ في مرحلةٍ جديدةٍ من العَلاقاتِ العسكريَّةِ، بعيدًا عن الهَيمنَةِ الروسيَّةِ التي استمرَّت لعُقُودٍ.

Website |  + مقالات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا