أهمها آثار تدمر الرومانية.. عودة الخبراء إلى المواقع الأثرية المدمرة في سوريا

0
76

تدمر، سوريا (أسوشيتد برس)

يعود الخبراء إلى المواقع التراثية التي دمرتها الحرب في سوريا، على أمل وضع أسس لترميمها وإحياء السياحة، التي قد تمنح دفعة اقتصادية حيوية لبلد دُمّر اقتصاده بالكامل بعد ما يقرب من 14 عامًا من الحرب.

لا تزال معالم سوريا الشهيرة، مثل مدينة تدمر الأثرية وقلعة الحصن الصليبية، تحمل ندوب سنوات من الصراع. ومع ذلك، بدأ السياح المحليون في العودة إليها، ويأمل المحافظون على التراث أن تجذب قيمتها التاريخية والثقافية في النهاية الزوار الدوليين مجددًا.

تدمر: مدينة أثرية تحمل عبق التاريخ وآثار الحرب

تُعد تدمر واحدة من ستة مواقع سورية مدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وكانت سابقًا مركزًا رئيسيًا على طريق الحرير القديم، حيث ربطت بين الإمبراطوريتين الرومانية والفرثية وصولًا إلى آسيا. تقع المدينة في الصحراء السورية، وتشتهر بآثارها الرومانية التي تعود إلى أكثر من 2000 عام، لكنها اليوم تحمل آثار الدمار، مع أعمدة محطمة ومعابد مدمرة.

قبل اندلاع الثورة السورية عام 2011، والتي سرعان ما تصاعدت إلى حرب أهلية طاحنة، كانت تدمر الوجهة السياحية الرئيسية في سوريا، حيث استقطبت نحو 150,000 زائر شهريًا، وفقًا لأيمن نابو، الباحث وخبير الآثار. وقال نابو لوكالة أسوشيتد برس:
“كانت تدمر تُعرف بـ’عروس الصحراء‘، وكانت مركزًا حيويًا ينعش البادية ومغناطيسًا سياحيًا عالميًا.”

كانت المدينة القديمة عاصمة لمملكة عربية تابعة للإمبراطورية الرومانية، والتي تمردت في القرن الثالث الميلادي بقيادة الملكة زنوبيا، وحاولت تأسيس إمبراطورية مستقلة.

لكن في العصور الحديثة، ارتبطت تدمر بماضٍ أكثر قتامة، حيث كانت موطنًا لسجن تدمر، حيث يُعتقد أن الآلاف من معارضي حكم عائلة الأسد تعرضوا للتعذيب. قام تنظيم داعش بتفجير السجن بعد استيلائه على المدينة.

لاحقًا، دمر التنظيم معابد بِل وبعل شمين وقوس النصر، معتبرًا أنها “رموز وثنية”، كما قام بقتل خالد الأسعد، عالم الآثار السوري الذي كرس حياته للحفاظ على آثار تدمر.

بين عامي 2015 و2017، تبادلت داعش وقوات النظام السوري السيطرة على تدمر، قبل أن تستعيدها قوات الأسد، بدعم من روسيا وميليشيات موالية لإيران، حيث حولوا المناطق المجاورة إلى قواعد عسكرية.

أيمن نابو، الذي زار تدمر بعد سقوط الحكومة السابقة بخمسة أيام، صُدم بحجم الدمار:
“شاهدنا عمليات تنقيب واسعة داخل المقابر، وكان هناك تدمير هائل من قبل كل من داعش وقوات الأسد.” وأضاف:
“المتحف كان في حالة يُرثى لها، مع فقدان العديد من الوثائق والقطع الأثرية – لا نعلم مصيرها.”

وذكر نابو أنه في عام 2015، خلال سيطرة داعش، تم نهب العديد من المنحوتات الجنائزية وتهريبها إلى الخارج. تم استعادة سبعة منها وعرضها في متحف إدلب، بينما تم تهريب 22 قطعة أخرى، يُعتقد أن العديد منها انتهى في الأسواق السوداء والمجموعات الخاصة.

داخل المقابر الأثرية، لا تزال آيات قرآنية مكتوبة على الجدران، بينما تم طلاء جداريات تصور مشاهد أسطورية كانت تعكس الروابط الثقافية العميقة بين تدمر والعالم اليوناني-الروماني.

قال نابو:
“سوريا كنز أثري يجب الحفاظ عليه.”
وأوضح أن الإدارة المؤقتة لسوريا، بقيادة هيئة تحرير الشام، قررت تأجيل أي خطط ترميم كبرى حتى انتهاء المرحلة الانتقالية.

من جانبها، قالت منظمة اليونسكو إنها دعمت، منذ عام 2015، حماية التراث الثقافي السوري عن بعد، من خلال تحليلات الأقمار الصناعية والتقارير والتوصيات للخبراء المحليين، لكنها لم تنفذ أي عمليات مباشرة على الأرض. وأضافت المنظمة أنها تدرس إمكانية تقديم مساعدة تقنية إذا تحسنت الظروف الأمنية.

قلعة الحصن: أحد أبرز الشواهد على الدمار

خارج تدمر، لا تزال مواقع تاريخية أخرى تحمل آثار الحرب.

تقع قلعة الحصن، وهي قلعة صليبية تعود للقرون الوسطى، على قمة تل بالقرب من بلدة الحصن، وتوفر إطلالة بانورامية على المناطق المحيطة. لكنها تعرضت لقصف مكثف خلال الحرب الأهلية السورية.

في يوم حديث، كان مقاتلون مسلحون يتجولون في القلعة جنبًا إلى جنب مع السياح المحليين، يلتقطون صورًا ذاتية وسط الأنقاض.

حازم حنا، مهندس معماري ورئيس قسم الآثار في القلعة، وصف حجم الدمار قائلاً:
“الضربات الجوية في عام 2014 دمرت الكثير من الفناء المركزي والأعمدة المزخرفة بالنقوش العربية.”

وأضاف:
“بالاعتماد على القيمة الثقافية للمواقع التاريخية السورية، آمل أن نشهد انتعاشًا سياحيًا كبيرًا بمجرد توفر الفرصة للزوار الدوليين.”

بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا عام 2023، تمت إعادة ترميم بعض أجزاء القلعة، لكن لا تزال العديد من أقسامها في حالة خراب.

نابو وحنا أكدا أن عملية الترميم ستكون طويلة، حيث قال نابو:
“نحتاج إلى فرق تقنية مدربة لتقييم حالة المواقع الأثرية ووضع خطط الترميم.”

المدن الميتة: مواقع أثرية مهملة وسط التحديات

في شمال غرب سوريا، تمتد أكثر من 700 مستوطنة بيزنطية مهجورة تُعرف بـ”المدن الميتة”، فوق التلال الصخرية والسهول. لا تزال أطلال الحجر الجيري المتآكلة تحتفظ ببقايا منازل حجرية وكنائس قديمة ومقابر وشوارع مرصوفة بالأعمدة.

تعود هذه القرى إلى القرن الأول الميلادي، وكانت مزدهرة بفضل التجارة والزراعة. اليوم، تحولت بعض المواقع إلى ملاجئ للنازحين السوريين، حيث تم تحويل المنازل الحجرية إلى مساكن وحظائر، وظهرت علامات الحريق والدخان على جدرانها.

أيمن نابو حذر من أن عمليات النهب طالت المواقع الأثرية، حيث تم حفر ثقوب بحثًا عن القطع الأثرية. كما أن الكتابة على الجدران القديمة والتعديات العشوائية تهدد سلامة هذه المواقع.

قال نابو:
“محافظة إدلب وحدها تحتوي على أكثر من 1,000 موقع تراثي تعود لفترات زمنية مختلفة – أي ما يعادل ثلث المواقع الأثرية في سوريا.”

وأضاف أن عمليات القصف والتنقيب غير القانوني ألحقت أضرارًا جسيمة بالمواقع الأثرية، مشيرًا إلى أن البناء العشوائي بالقرب من الآثار يشكل تهديدًا خطيرًا للحفاظ عليها.

“عشرات الآلاف من القطع الأثرية المنهوبة لا تزال غير موثقة”، كما أشار نابو، مؤكدًا أن السلطات تعمل على إعداد ملفات لاستعادة القطع المسجلة، بالتعاون مع المديرية العامة للآثار والمتاحف.

هل يمكن إنقاذ التراث السوري؟

وسط الدمار الذي طال المواقع الأثرية في سوريا، يبقى الأمل في ترميمها وإعادة الحياة إليها. يرى الخبراء أن الحفاظ على هذه المعالم وإعادة إحيائها ليس مجرد مسألة ثقافية، بل هو ضرورة اقتصادية يمكن أن تساعد في تعافي سوريا بعد سنوات من الحرب. ومع ذلك، فإن الطريق لا يزال طويلًا، ويتطلب جهودًا محلية ودولية لضمان حماية هذه الكنوز من الضياع.

Website |  + مقالات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا