الخميس, مارس 13, 2025
No menu items!
Google search engine

فاديم شتيبا: تطور البقاء السياسي.. من سورية إلى روسيا

-

فاديم شتيبا: صحفي روسي

فن البقاء السياسي هو مهارة ضرورية يعتمد عليها العديد من السياسيين في مرحلة ما من مسيرتهم المهنية. وعندما تشهد المناخات السياسية إعادة هيكلة كبيرة، تصبح هذه المهارة أكثر دلالة على مدى قدرة القادة والنخب على الصمود في مواجهة تحديات جديدة تهدد شرعيتهم داخليًا ودوليًا. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك قبول المجتمع الدولي للحكومة السورية الجديدة بعد انهيار نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024. سرعان ما اعترف قادة العالم بشرعية الحكومة الجديدة واستأنفوا العلاقات التي كانت مجمدة. ففي 2 يناير، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين أوكرانيا وسوريا، والتي كانت قد قُطعت في عام 2022 عندما دعم نظام الأسد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.

في أعقاب هذا التطور، زار رؤساء وزارتي الخارجية الألمانية والفرنسية دمشق، في أول زيارة لمسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى إلى سوريا منذ سنوات عديدة. جاءت هذه العلاقات المحسنة بعد إعادة تشكيل صورة الزعيم الفعلي أحمد الشرع لتعزيز شرعيته. فقد كان معروفًا سابقًا باسمه الجهادي “أبو محمد الجولاني”، وقد غيّر توجهه نحو الغرب بعد انتصار الثورة السورية الكثير من التصورات حول كيفية قيادة البلاد.

لم يكن الشرع دائمًا شريكًا واعدًا وموثوقًا، كما أشار زيلينسكي عند الإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية. ففي العقد الأول من الألفية، تعاون الشرع مع تنظيم القاعدة واعتقلته القوات الأمريكية في العراق، حيث قضى خمس سنوات في السجن. ومع ذلك، أعلن انفصاله العلني عن هذا التنظيم الإرهابي في عام 2016 وأسس حركته الخاصة “هيئة تحرير الشام”. في محافظة إدلب السورية، حيث كان مقره، ولاحقًا في مدينة حلب التي احتلها، تم إرساء تسامح ديني كامل، مع السماح بعمل الكنائس المسيحية بحرية.

وجد الشرع لغة مشتركة مع المعارضة، الجيش السوري الحر، وشكل قيادة مشتركة. ونتيجة لذلك، تشكلت قوة عسكرية قوية نسبيًا تمكنت من هزيمة جيش النظام السوري، الذي كانت روسيا وإيران تدعمانه بنشاط. ومن المفارقات أن إحدى أولى خطوات الإسلاميين بعد الاستيلاء على دمشق في 8 ديسمبر 2024 كانت تدمير سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

اليوم، يبتعد مفهوم “الإسلامية” عن كونه حركة موحدة. على سبيل المثال، شارك الشرع في مقابلة مع صحفية من CNN، وهو أمر لم يكن ليحدث مع شخصيات مثل أسامة بن لادن. على عكس الأنظمة “الإسلامية” الأخرى في المنطقة، أعلن الثوار أن للنساء السوريات الحق في تقرير مصيرهن دون فرض شرطة أخلاقية.

وعد الشرع بوضع دستور ديمقراطي جديد لسوريا يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الفئات الدينية والقومية، وإجراء تعداد سكاني وتنظيم انتخابات حرة. كما ينوي حل جميع الفصائل المسلحة، بما في ذلك حركته “هيئة تحرير الشام”، لضمان احتكار السلاح بيد الحكومة المنتخبة قانونيًا. وأعلن عن تفضيله إقامة علاقات دبلوماسية مع جميع الدول (بما في ذلك إسرائيل) بدلاً من خوض مغامرات عسكرية.

قبل سقوط الأسد، تغيرت لهجة وزارة الخارجية الروسية بشكل كبير. قبل انتصار الثوار، كانت تُطلق عليهم تسمية “إرهابيين”، ولكن بعد سقوط الأسد بدأ يُشار إليهم بـ “المعارضة المسلحة”. وعلى الرغم من دعم روسيا لنظام الأسد، لا تنوي سوريا قطع علاقاتها مع موسكو بالكامل، رغم أن مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا لا يزال غير واضح.

قادة سوريا ليسوا الوحيدين الذين يتبنون هويات جديدة للبقاء السياسي. هناك عدة أمثلة تاريخية على تغيّر وجهات نظر القادة الروس بشكل كبير من الأفكار التوتاليتارية إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينيات والتسعينيات. فقد تحول ميخائيل غورباتشوف من بيروقراطي حزبي نموذجي إلى مصلح عالمي. واستبدل الأيديولوجية الشيوعية بسياسة “الشفافية” والتفكير الجديد.

كما أن بوريس يلتسين، الذي كان أمين اللجنة الإقليمية لحزب الشيوعي السوفيتي في سفيردلوفسك، أصبح أول رئيس للاتحاد الروسي بعد أن قاد قمع محاولة الانقلاب من قبل المحافظين في الحزب. وكذلك الصحفي والسياسي إيجور جايدار، الذي عمل في صحيفة برافدا، وأصبح لاحقًا رئيس الوزراء المؤقت وأشرف على إصلاحات اقتصادية ليبرالية.

لم تقتصر هذه التحولات على روسيا فقط، بل شملت دولًا أخرى في ما بعد الاتحاد السوفيتي. على سبيل المثال، كان أرنولد رويتل، رئيس إستونيا السابق، شيوعيًا مخلصًا لكنه دعم إعلان سيادة الدولة الإستونية واستعادة استقلالها.

في التاريخ الروسي الحديث، شهدنا تحولًا في الاتجاه المعاكس من الحريات الديمقراطية إلى السلطوية الجديدة. هناك تشابه ملحوظ بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبشار الأسد. فكلاهما تولى السلطة في عام 2000، وعلى الرغم من أنهما اعتُبرا مصلحين في البداية، إلا أنهما قادا بلديهما نحو السلطوية وانخرطا في حروب.

ومع احتمالية ضعف سلطة بوتين أو رحيله، من المرجح أن نشهد موجة جديدة من التحولات السياسية في روسيا، حيث قد يتحول العديد من السياسيين إلى تبني مواقف ديمقراطية، مبررين مواقفهم السابقة بظروف استثنائية أو جهلهم بحقيقة ممارسات النظام. ولكن يبقى السؤال: هل سيصدقهم الشعب هذه المرة؟

Website |  + مقالات