تتمتّعُ سُورِيَا بمقوّماتٍ تجعلُها فُرصةً استثماريةً استثنائيةً في المرحلةِ الرَّاهِنةِ، نظرًا لموقعِها الاستراتيجيِّ وأهميةِ إعادةِ الإعمارِ بعدَ سنواتٍ من الصِّراعِ. ولكن لتحقيقِ تنميةٍ مُستدامةٍ وتجنُّبِ الوقوعِ في فخِّ الدُّيونِ الثَّقيلةِ، لا بدَّ من اتِّباعِ سياساتٍ اقتصاديةٍ مدروسةٍ ومنفتحةٍ على الخبراتِ المحليَّةِ والعالميَّةِ.
تحليلُ الواقعِ الاقتصاديِّ والفُرَصِ الاستثماريةِ
تتطلَّبُ عمليةُ إعادةِ إعمارِ سُورِيَا خلالَ السَّنواتِ الخمسِ القادمةِ استثماراتٍ قد تصلُ إلى مائتي مليارِ دولارٍ، وفقَ تقديراتِ الكاتبِ. وفي حال تأخُّرِ هذهِ العمليةِ أو اعتمادِ سياساتٍ غيرِ فعَّالةٍ، قد تتضاعفُ التكاليفُ إلى حوالي خمسمائةِ مليارِ دولارٍ. تعتمدُ هذهِ التقديراتُ على وجودِ قوىً عاملةٍ مدرَّبةٍ وفعَّالةٍ، ممَّا يُسهِّلُ بدءَ سدادِ القروضِ منذ السَّنةِ الثَّانيةِ من عملياتِ إعادةِ الإعمارِ.
استراتيجياتُ التَّمويلِ وتجنُّبُ فخِّ الدُّيونِ
- الاستعانةُ بالخبراتِ الماليَّةِ السُّورِيَّةِ والعالميَّةِ: ينبغي للحكومةِ السُّورِيَّةِ إشراكُ خبراءَ ماليِّينَ محلِّيِّينَ وعالميِّينَ لتحديدِ آلياتِ تمويلٍ فعَّالةٍ وجدولةِ سدادِ الديونِ بطريقةٍ مُستدامةٍ.
- تجنُّبُ الاعتمادِ المُطلقِ على الدُّولِ الكُبرى: يجبُ الحذرُ من الوقوعِ تحتَ هيمنةِ القوى الاقتصاديةِ الكبرى مثلِ الصينِ والولاياتِ المتحدةِ، التي قد تسعى إلى فرضِ شروطٍ قاسيةٍ كما حدثَ في دُوَلٍ مثلَ إثيوبيا وباكستان وجيبوتي.
دورُ الدُّوَلِ العربيَّةِ في الدَّعمِ
مِن المهمِّ تشجيعُ الدُّولِ العربيَّةِ على لعبِ دورٍ محوريٍّ في تمويلِ مشاريعِ إعادةِ الإعمارِ، لتجنُّبِ الهيمنةِ الاقتصاديةِ الأجنبيَّةِ. هذا الدَّعمُ سيُسهِمُ في تعزيزِ الاستقرارِ الاقتصاديِّ والسِّياسيِّ في سُورِيَا والمنطقةِ ككلٍّ.
قطاعاتٌ حيويةٌ للتنميةِ
- الزراعةُ الغذائيَّةُ: يجبُ أن تكونَ الأولويَّةُ للقطاعِ الزراعيِّ لتحقيقِ الأمنِ الغذائيِّ.
- الطاقةُ: الاستثمارُ في مشاريعِ طاقةٍ مُستدامةٍ سيُعزِّزُ استقلاليةَ سُورِيَا في مجالِ الطاقةِ.
التنافُسيةُ والنوعيةُ في المشاريعِ
ينبغي إدارةُ عمليةِ التنافسِ بينَ المستثمرينَ الدُّوَلِيِّينَ بطريقةٍ تصبُّ في مصلحةِ سُورِيَا، مع التركيزِ على جودةِ الموادِّ والتنفيذِ. تكلفةُ المشاريعِ قد تكونُ أعلى عندَ استخدامِ موادٍّ ذاتِ جودةٍ عاليةٍ، لكنَّها ستُقلِّلُ من تكاليفِ الصيانةِ على المدى البعيدِ وتَضمنُ استدامةَ المشاريعِ.
رؤيةٌ تفاؤليَّةٌ
إذا نجحتِ الإدارةُ السُّورِيَّةُ الجديدةُ في تبنِّي سياساتٍ ماليَّةٍ حكيمةٍ وجدولةٍ منطقيَّةٍ للدُّيونِ، فمن الممكنِ أن تخرجَ البلادُ من دائرةِ الفقرِ إلى مصافِّ الدُّوَلِ الغنيَّةِ خلالَ فترةٍ وجيزةٍ. تتطلَّبُ هذهِ المرحلةُ العملَ الجماعيَّ، الصَّبرَ، والإبداعَ في مواجهةِ التحدِّياتِ الاقتصاديَّةِ.
قوموا واعملوا، فالوطنُ يستحقُّ الجهدَ والإخلاصَ.
الاربعاء 5-2-2025
غسان فواز الشعار
خبير في الشؤون الاقتصادية وإدارة الأزمات