بَاتَتِ الْكُتُبُ الَّتِي تَرْوِي قِصَصَ التَّعْذِيبِ فِي السُّجُونِ السُّورِيَّةِ أَوِ النُّصُوصُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْفِكْرِ الْإِسْلَامِيِّ تُعْرَضُ الْآنَ عَلَنًا فِي مَتَاجِرِ الْكُتُبِ بِدِمَشْقَ، بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تُتَدَاوَلُ سِرًّا خِلَالَ حُكْمِ بَشَّارِ الْأَسَدِ الْحَدِيدِيِّ.
يَقُولُ عُمَرُ اللَّحَّامُ، طَالِبٌ يَبْلُغُ مِنَ الْعُمُرِ ٢٥ عَامًا، أَثْنَاءَ تَجَوُّلِهِ فِي الْمَتَاجِرِ بِالْقُرْبِ مِنْ جَامِعَةِ دِمَشْقَ:
“لَوْ كُنْتُ قَدْ سَأَلْتُ عَنْ كِتَابٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَ شَهْرَيْنِ فَقَطْ، كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ أَخْتَفِيَ أَوْ أُلْقَى فِي السِّجْنِ.”
وَأَخِيرًا، تَمَكَّنَ مِنَ الْعُثُورِ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ “الْمَعْبَرِ“ لِلْكَاتِبَةِ السُّورِيَّةِ حَنَانِ أَسْعَدَ، الَّذِي يَسْرُدُ الصِّرَاعَ فِي مَدِينَةِ حَلَبَ مِنْ نُقْطَةِ عُبُورٍ كَانَتْ تَرْبِطُ بَيْنَ الْجُزْءِ الشَّرْقِيِّ الَّذِي يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ الْمُعَارِضُونَ، وَالْجُزْءِ الْغَرْبِيِّ الَّذِي كَانَ تَحْتَ سَيْطَرَةِ الْحُكُومَةِ، قَبْلَ أَنْ تَسْتَعِيدَ قُوَّاتُ الْأَسَدِ السَّيْطَرَةَ الْكَامِلَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَامَ ٢٠١٦.
فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي، اسْتَوْلَى الثُّوَّارُ الْإِسْلَامِيُّونَ عَلَى الْمَدِينَةِ الشِّمَالِيَّةِ فِي هُجُومٍ خَاطِفٍ، قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمُوا نَحْوَ دِمَشْقَ وَيُسْقِطُوا الْأَسَدَ، مُنْهِينَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ مِنَ الْحُكْمِ الْقَمْعِيِّ لِعَائِلَتِهِ.

الْخَوْفُ مِنَ الْمُخَابَرَاتِ انْتَهَى
يَقُولُ اللَّحَّامُ:
“فِي السَّابِقِ، كُنَّا نَخْشَى أَنْ يَتِمَّ تَصْنِيفُنَا مِنْ قِبَلِ أَجْهِزَةِ الْمُخَابَرَاتِ لِمُجَرَّدِ شِرَاءِ بَعْضِ الْكُتُبِ، خَاصَّةً تِلْكَ الَّتِي تُعْتَبَرُ يَسَارِيَّةً أَوْ تَنْتَمِي لِلتَّيَّارِ السَّلَفِيِّ الْمُتَشَدِّدِ.”
وَفِي مَتْجَرٍ لِلْكُتُبِ بِدِمَشْقَ، يَعْرِضُ بَائِعُ كُتُبٍ فِي الْخَمْسِينَاتِ مِنْ عُمُرِهِ، يُدْعَى أَبُو يَامَنَ، مَجْمُوعَةً مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي كَانَتْ مَحْظُورَةً خِلَالَ عَهْدِ الْأَسَدِ.
“لَمْ يَكُنِ النَّاسُ يَجْرُؤُونَ حَتَّى عَلَى السُّؤَالِ عَنْهَا – كَانُوا يَعْرِفُونَ مَا كَانَ يَنْتَظِرُهُمْ.”
وَفِي مَتْجَرٍ آخَرَ، أَوْضَحَ صَاحِبُ دَارِ نَشْرٍ بَارِزَةٍ، طَلَبَ عَدَمَ الْكُشْفِ عَنْ هُوِيَّتِهِ، أَنَّهُ مُنْذُ الثَّمَانِينَاتِ، تَوَقَّفَ عَنْ طِبَاعَةِ أَيِّ كُتُبٍ سِيَاسِيَّةٍ، بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَقَالَاتِ الْعَامَّةِ عَنْ الْفِكْرِ السِّيَاسِيِّ الَّتِي لَا تَتَنَاوَلُ مِنْطَقَةً أَوْ دَوْلَةً مُعَيَّنَةً.
“حَتَّى مَعَ ذَلِكَ، كَانَتْ أَجْهِزَةُ الْأَمْنِ تَسْتَدْعِينَا دَائِمًا لِلِاسْتِجْوَابِ حَوْلَ عَمَلِنَا وَمَبِيعَاتِنَا – مَنْ زَارَنَا، وَمَاذَا اشْتَرَى، وَمَا الَّذِي كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ عَنْهُ.”
وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِجَالَ الْأَمْنِ كَانُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْيَانِ “يَفْتَقِرُونَ إِلَى الثَّقَافَةِ“ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَدَبِ، مُسْتَشْهِدًا بِحَادِثَةٍ اسْتِجْوَابٍ فِيهَا ضَابِطُ مُخَابَرَاتٍ شَخْصِيًّا حَوْلَ عِلَاقَتِهِ مَعَ “الْكَاتِبِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ“، رَغْمَ أَنَّ الْأَخِيرَ تُوُفِّيَ فِي الْقَرْنِ الرَّابِعِ عَشَرَ!

الْكُتُبُ الْمَمْنُوعَةُ تُعْرَضُ عَلَنًا
فِي رُفُوفِ مَتْجَرِهِ بِدِمَشْقَ، يَعْرِضُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سُرُوجِي نُسَخًا فَاخِرَةً مِنْ أَعْمَالِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ، أَحَدِ أَبْرَزِ الْمُنَظِّرِينَ السَّلَفِيِّينَ فِي الْعُصُورِ الْوُسْطَى، إِلَى جَانِبِ كُتُبِ سَيِّدِ قُطْبٍ، أَحَدِ أَهَمِّ مُفَكِّرِي جَمَاعَةِ الْإِخْوَانِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي أَلْهَمَ الْعَدِيدَ مِنَ الْجَمَاعَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
“كُلُّ هَذِهِ الْكُتُبِ كَانَتْ مَمْنُوعَةً. كُنَّا نَبِيعُهَا سِرًّا فَقَطْ لِمَنْ نَثِقُ بِهِمْ – مِنَ الطُّلَّابِ الَّذِينَ نَعْرِفُهُمْ أَوِ الْبَاحِثِينَ.”

الرَّقَابَةُ الْأَمْنِيَّةُ انْتَهَتْ
وَقَالَ مُصْطَفَى الْكَانِي، وَهُوَ طَالِبٌ يَبْلُغُ مِنَ الْعُمُرِ ٢٥ عَامًا وَيَدْرُسُ الْفِقْهَ الْإِسْلَامِيَّ:
“خِلَالَ الثَّوْرَةِ، كُنَّا نَخْشَى الْبَحْثَ عَنْ كُتُبٍ مُعَيَّنَةٍ. لَمْ نَكُنْ نَسْتَطِيعُ الِاحْتِفَاظَ بِهَا، وَكُنَّا نَقْرَأُهَا فَقَطْ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتِ.”
وَأَضَافَ:
“مُجَرَّدُ نَشْرِ اقْتِبَاسٍ مِنْ سَيِّدِ قُطْبٍ كَانَ كَفِيلًا بِإِلْقَائِكَ فِي السِّجْنِ.”