مِيناءُ طَرطُوسَ.. مَكَاسِبُ سُورِيَّةَ الِاسْتِرَاتِيجِيَّةُ وَالِاقْتِصَادِيَّةُ مِنِ اسْتِعَادَةِ المِينَاءِ بَعْدَ إِنْهَاءِ الِاتِّفَاقِيَّةِ الرُّوسِيَّةِ

0
12

فِي خُطْوَةٍ مُفَاجِئَةٍ، أَعْلَنَتِ الِإِدَارَةُ السُّورِيَّةُ الْجَدِيدَةُ إِلْغَاءَ الِاتِّفَاقِيَّةِ الْمُوَقَّعَةِ مَعَ شَرِكَةِ “سْتْرُوي تْرَانْسْ غَازْ” الرُّوسِيَّةِ لِإِدَارَةِ وَتَشْغِيلِ مِيناءِ طَرطُوسَ، وَهِيَ اتِّفَاقِيَّةٌ كَانَتْ تَمْتَدُّ لِمُدَّةِ ٤٩ عَامًا. جَاءَ هَذَا الْقَرَارُ لِيُعِيدَ الْجَدَلَ حَوْلَ مُسْتَقْبَلِ هَذَا الْمَرْفَإِ الْحَيَوِيِّ، الَّذِي يُشَكِّلُ نُقْطَةَ ارْتِكَازٍ مُهِمَّةً عَلَى الْبَحْرِ الْأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ، سَوَاءً مِنَ النَّاحِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ أَوِ الْعَسْكَرِيَّةِ. فَمَا هِيَ أَهَمِّيَّةُ مِيناءِ طَرطُوسَ؟ وَمَا تَدَاعِيَاتُ إِنْهَاءِ السَّيْطَرَةِ الرُّوسِيَّةِ عَلَيْهِ؟

أَهَمِّيَّةُ مِيناءِ طَرطُوسَ الِاسْتِرَاتِيجِيَّةُ

يُعْتَبَرُ مِيناءُ طَرطُوسَ ثَانِيَ أَكْبَرِ الْمَوَانِئِ السُّورِيَّةِ بَعْدَ مِيناءِ اللَّاذِقِيَّةِ، حَيْثُ يَمْتَدُّ عَلَى مِسَاحَةِ ٣.٦ مِلْيُونِ مِتْرٍ مُرَبَّعٍ وَيَضُمُّ ١٢ رَصِيفًا قَادِرًا عَلَى اسْتِقْبَالِ سُفُنٍ بِحُمُولَاتٍ تَصِلُ إِلَى ١٠٠ أَلْفِ طُنٍّ. يُعَدُّ الْمِيناءُ مَنْفَذًا اسْتِرَاتِيجِيًّا لِسُورِيَا إِلَى الْأَسْوَاقِ الْأُورُوبِّيَّةِ، وَيُسْتَخْدَمُ فِي عَمَلِيَّاتِ اسْتِيرَادِ وَتَصْدِيرِ السِّلَعِ وَالْمُنْتَجَاتِ، وَخَاصَّةً النَّفْطِ وَالْقَمْحِ وَالْمَوَادِّ الْأَوَّلِيَّةِ.

مِنَ النَّاحِيَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ، كَانَ الْمِيناءُ نُقْطَةَ ارْتِكَازٍ لِلْبَحْرِيَّةِ الرُّوسِيَّةِ مُنْذَ عَامِ ١٩٧١، حَيْثُ اسْتَخْدَمَتْهُ مُوسْكُو لِدَعْمِ عَمَلِيَّاتِهَا فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ. وَقَدْ عَزَّزَتْ رُوسْيَا وُجُودَهَا فِي الْمِيناءِ خِلَالَ الْحَرْبِ السُّورِيَّةِ، مَا جَعَلَهُ مَرْكَزًا لُوجِسْتِيًّا رَئِيسِيًّا لَهَا.

التَّأْثِيرُ الِاقْتِصَادِيُّ لِلْمِينَاءِ

قَبْلَ الْحَرْبِ، كَانَ مِيناءُ طَرطُوسَ يَسْتَحْوِذُ عَلَى نِسْبَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ النَّشَاطِ التِّجَارِيِّ السُّورِيِّ، حَيْثُ كَانَتْ ٧٠٪ مِنْ وَارِدَاتِ سُورِيَا تَمُرُّ عَبْرَهُ، إِلَى جَانِبِ تَصْدِيرِ الْفُوسْفَاتِ وَالْمُنْتَجَاتِ الزِّرَاعِيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ. فِي عَامِ ٢٠١٨، كَانَ الْمِيناءُ يُسْهِمُ بِحَوَالِي ٣٠٪ مِنَ الْعَائِدَاتِ الْجُمْرُكِيَّةِ لِسُورِيَا، وَهُوَ مَا يُفَسِّرُ الرَّغْبَةَ فِي إِعَادَةِ تَشْغِيلِهِ بِإِدَارَةٍ سُورِيَّةٍ خَالِصَةٍ.

مَصِيرُ الْوُجُودِ الرُّوسِيِّ فِي الْمِينَاءِ

رَغْمَ إِنْهَاءِ عَقْدِ التَّشْغِيلِ الْمَدَنِيِّ لِلْمِينَاءِ، لَا تَزَالُ الْقَاعِدَةُ الْبَحْرِيَّةُ الرُّوسِيَّةُ فِي طَرطُوسَ قَائِمَةً، حَيْثُ تَمْلِكُ رُوسْيَا اتِّفَاقِيَّةً أُخْرَى مَعَ دِمَشْقَ تَمْنَحُهَا حَقَّ اسْتِخْدَامِ الْمُنْشَأَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ لِمُدَّةِ ٤٩ عَامًا. وَمَعَ ذَلِكَ، تُثِيرُ التَّطَوُّرَاتُ الْأَخِيرَةُ تَسَاؤُلَاتٍ حَوْلَ مُسْتَقْبَلِ التَّعَاوُنِ الرُّوسِيِّ-السُّورِيِّ، خَاصَّةً بَعْدَ سُقُوطِ نِظَامِ الْأَسَدِ وَتَغْيِيرِ الْمُعَادَلَاتِ السِّيَاسِيَّةِ فِي الْبِلَادِ.

يُمَثِّلُ مِيناءُ طَرطُوسَ نُقْطَةً مِفْصَلِيَّةً فِي الِاقْتِصَادِ السُّورِيِّ، كَمَا أَنَّهُ يَحْمِلُ أَهَمِّيَّةً اسْتِرَاتِيجِيَّةً كُبْرَى نَظَرًا لِمَوْقِعِهِ عَلَى الْبَحْرِ الْمُتَوَسِّطِ. إِعَادَةُ تَشْغِيلِهِ بِإِدَارَةٍ سُورِيَّةٍ كَامِلَةٍ قَدْ تَكُونُ خُطْوَةً نَحْوَ اسْتِعَادَةِ السِّيَادَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، لَكِنَّ نَجَاحَ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ عَلَى قُدْرَةِ الْحُكُومَةِ السُّورِيَّةِ الْجَدِيدَةِ عَلَى جَذْبِ الِاسْتِثْمَارَاتِ وَتَعْزِيزِ النَّشَاطِ التِّجَارِيِّ. فِي ظِلِّ التَّحَوُّلَاتِ الْجِيُوسِيَاسِيَّةِ الْجَارِيَةِ، سَتَبْقَى الْأَنْظَارُ مُوَجَّهَةً إِلَى هَذَا الْمِينَاءِ، بِانْتِظَارِ مَا سَتَئُولُ إِلَيْهِ التَّطَوُّرَاتُ فِي الْمَرْحَلَةِ الْمُقْبِلَةِ.

Website |  + مقالات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا