السوريون العائدون إلى وطنهم يواجهون تهديدًا مميتًا بسبب الألغام الأرضية

0
14

لم يكن أيغد يتخيل أن حلمه بالعودة إلى أرضه الزراعية يمكن أن يتحول إلى كابوس.
يصارع دموعه وهو يُرينا صورة لوالده الراحل، مبتسمًا ومحاطًا بأشجار الزيتون الوفيرة في أرضهم بمحافظة إدلب، شمال غربي سوريا.
التُقطت الصورة قبل خمس سنوات، قبل بضعة أشهر فقط من سيطرة القوات المرتبطة بالنظام السابق على قريتهم، القريبة من مدينة سراقب.

فرار من الحرب ورغبة في العودة

كانت مدينة سراقب معقلًا استراتيجيًا لفصائل المعارضة السورية لسنوات، قبل أن تشن القوات المتحالفة مع نظام بشار الأسد المنهار هجومًا على المعارضة في محافظة إدلب نهاية عام 2019.
هرب مئات الآلاف من السكان من منازلهم، حيث استولت قوات الأسد على العديد من معاقل المعارضة في الشمال الغربي بحلول أوائل عام 2020.
كان أيغاد ووالده من بين النازحين.

يقول أيغد، والدموع تملأ عينيه: “كان علينا المغادرة بسبب القتال والغارات الجوية. لكن والدي رفض المغادرة. كان يريد أن يموت في أرضه.”

والده قُتل عندما انفجرت سيارته بلغم أرضي

ظل الأب والابن يحلمان بالعودة إلى قريتهم منذ نزوحهم. وعندما استعادت قوات المعارضة السيطرة على قريتهم في نوفمبر 2024، بدا أن حلمهما على وشك التحقق. ولكن سرعان ما تحولت الفرحة إلى مأساة.
يشرح أيغد: “ذهبنا إلى أرضنا لجني الزيتون. ذهبنا في سيارتين منفصلتين. سلك والدي طريقًا مختلفًا للعودة إلى منزلنا في إدلب. حذرته من ذلك، لكنه أصر. انفجرت سيارته بعد أن اصطدمت بلغم أرضي.”

توفي والد أيغد على الفور في مكان الحادث. لم يفقد فقط والده في ذلك اليوم، بل فقد أيضًا مصدر رزق العائلة الرئيسي. كانت مزرعتهم تمتد على مساحة 100,000 متر مربع وتحتوي على أشجار زيتون عمرها 50 عامًا. الآن، صُنفت أرضهم على أنها حقل ألغام خطير.

مئات الآلاف من الألغام تهدد عودة السوريين إلى أراضيهم

بحسب منظمة هالو تراست، المتخصصة في إزالة الألغام، قُتل ما لا يقل عن 144 شخصًا، بينهم 27 طفلًا، بسبب الألغام الأرضية وبقايا المتفجرات منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي.
وأوضحت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بـ الخوذ البيضاء، لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أن العديد من الضحايا هم مزارعون ومالكو أراضٍ كانوا يحاولون العودة إلى ممتلكاتهم بعد انهيار النظام.

مخلفات الحرب القاتلة

تنقسم الذخائر غير المنفجرة في سوريا إلى فئتين رئيسيتين:

  1. الذخائر غير المنفجرة (UXOs) مثل القنابل العنقودية وقذائف الهاون والقنابل اليدوية.
  2. الألغام الأرضية، التي تُعد الأخطر لأنها غالبًا ما تكون مدفونة وغير مرئية.

يقول حسن طلفاح، رئيس فريق إزالة الذخائر في الخوذ البيضاء، إن الألغام الأرضية تشكل تحديًا أكبر لأنها مدفونة تحت الأرض، وغالبًا ما تُزرع في الأراضي الزراعية، مما يجعلها خطرة على المزارعين.

مناطق المعارك السابقة مليئة بالألغام

يُظهر طلفاح لصحفيي BBC حقلين شاسعين مليئين بالألغام. يتبع فريق الصحفيين سيارته عبر طريق ترابي ضيق ومتعرج – وهو المسار الوحيد الآمن للوصول إلى الحقول.
على جانبي الطريق، يلعب الأطفال، وهم من عائلات عادت مؤخرًا إلى المنطقة، لكنهم محاطون بخطر الألغام.

يشير طلفاح إلى حاجز بعيد ويقول: “هذا كان آخر خط يفصل بين المناطق الخاضعة لسيطرة قوات النظام وتلك التي تسيطر عليها المعارضة في إدلب.”
ويضيف أن قوات الأسد زرعت آلاف الألغام في الحقول خلف الحاجز لوقف تقدم مقاتلي المعارضة.

الأراضي الزراعية تحولت إلى حقول موت

كانت هذه الحقول في السابق أراضٍ زراعية خصبة، لكنها الآن جرداء بالكامل، ولا يمكن رؤية أي خضرة سوى قمم الألغام التي يمكن تمييزها عبر المناظير.

يقول أحد المزارعين العائدين، محمد، وهو في الثلاثينيات من عمره: “لم نتمكن من التعرف على أراضينا. كنا نزرع القمح والشعير والكمون والقطن. الآن لا يمكننا فعل أي شيء. وطالما أننا لا نستطيع زراعة هذه الأراضي، سنظل في حالة اقتصادية صعبة.”

الخوذ البيضاء تحذر السكان من دخول الحقول الملوثة

حتى الآن، حددت الخوذ البيضاء وأغلقت 117 حقل ألغام خلال شهر واحد فقط. ومع ذلك، لا يوجد تنسيق كافٍ بين المنظمات العاملة في إزالة الألغام، كما لا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم التلوث بالألغام في سوريا.

وثائق حكومية قد تساعد في إزالة الألغام

عثر الخوذ البيضاء على مجموعة كبيرة من الخرائط والوثائق التي تركتها قوات النظام وراءها، والتي تُظهر مواقع الألغام وأنواعها.
يقول طلفاح: “سنسلم هذه الوثائق إلى الجهات المختصة بإزالة الألغام.”

الحاجة إلى دعم دولي

يرى داميان أوبراين، مدير برنامج هالو سوريا، أن هناك حاجة ماسة لإجراء مسح شامل لسوريا لمعرفة مدى انتشار الألغام والذخائر غير المنفجرة.
يقدر أوبراين أن هناك نحو مليون جهاز متفجر بحاجة إلى تدمير لحماية المدنيين.

ويضيف: “أي موقع للجيش السوري من المحتمل أن يكون محاطًا بالألغام. وفي مدن مثل حمص وحماة، هناك أحياء كاملة مدمرة بالكامل، وأي شخص يدخلها يواجه خطر الذخائر غير المنفجرة.”

طلفاح: “لا أريد أن يمر أي شخص بما مررت به”

بالنسبة لطلفاح، فإن إزالة الذخائر غير المنفجرة والتوعية بمخاطرها أصبحت مهمة شخصية. فقد فقد إحدى ساقيه قبل عشر سنوات أثناء محاولته تفكيك قنبلة عنقودية.
يقول طلفاح: “لا أريد لأي مدني أو عضو في فريقي أن يمر بما مررت به.”
ويضيف: “لا يمكنني وصف شعوري عندما أتمكن من إزالة خطر يهدد حياة المدنيين.”

لكن حتى يتم تنسيق الجهود الدولية والمحلية لإزالة الألغام، سيظل آلاف المدنيين، وخاصة الأطفال، معرضين لخطر الموت كل يوم.

Website |  + مقالات

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا